سورة ص - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ص)


        


{ص} وقرئ بالكسر لالتقاء الساكنين، وقيل إنه أمر من المصاداة بمعنى المعارضة، ومنه الصدى فإنه يعارض الصوت الأول أي عارض القرآن بعملك، وبالفتح لذلك أو لحذف حرف القسم وإيصال فعله إليه، أو إضماره والفتح في موضع الجر فإنها غير مصروفة لأنها علم السورة وبالجر والتنوين على تأويل الكتاب. {والقرءان ذِى الذَّكْرِ} الواو للقسم إن جعل {ص} اسماً للحرف أو مذكور للتحدي، أو للرمز بكلام مثل صدق محمد عليه الصلاة والسلام، أو للسورة خبر المحذوف أو لفظ الأمر، وللعطف إن جعل مقسماً به كقولهم: الله لأفعلن بالجر والجواب محذوف دل عليه ما في {ص} من الدلالة على التحدي، أو الأمر بالمعادلة أي إنه لمعجز أو لواجب العمل به، أو إن محمداً صادق أو قوله: {بَلِ الذين كَفَرُواْ} أي ما كفر به من كفر لخلل وجده فيه {بَلِ الذين كَفَرُواْ} به. {فِى عِزَّةٍ} أي استكبار عن الحق. {وَشِقَاقٍ} خلاف لله ورسوله ولذلك كفروا به، وعلى الأولين الإِضراب أيضاً من الجواب المقدر ولكن من حيث إشعاره بذلك والمراد بالذكر العظة أو الشرف والشهره، أو ذكر ما يحتاج اليه في الدين من العقائد والشرائع والمواعيد، والتنكير في {عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} للدلالة على شدتهما، وقرئ في {غرة} أي غفلة عما يجب عليهم النظر فيه.
{كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ} وعيد لهم على كفرهم به استكباراً وشقاقاً. {فَنَادَوْاْ} استغاثة أو توبة أو استغفاراً. {وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} أي ليس الحين حين مناص، ولا هي المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت على رب، وثم خصت بلزوم الأحيان وحذف أحد المعمولين، وقيل هي النافية للجنس أي ولا حين مناص لهم، وقيل للفعل والنصب بإضماره أي ولا أرى حين مناص، وقرئ بالرفع على أنه اسم لا أو مبتدأ محذوف الخبر أي ليس حين مناص حاصلاً لهم، أو لا حين مناص كائن لهم وبالكسر كقوله:
طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلاَتَ أَوان *** فَأَجَبْنَا أَنَّ لاَتَ حِينَ بَقَاءِ
إما لأن لات تجر الأحيان كما أن لولا تجر الضمائر في قوله:
لَوْلاَكَ هَذَا العَامُ لَمْ أَحْجُج ***
أو لأن أوان شبه بإذ لأنه مقطوع عن الإِضافة إذ أصله أوان صلح، ثم حمل عليه {مَنَاصٍ} تنزيلاً لما أضيف إليه الظرف منزلته لما بينهما من الاتحاد، إذ أصله يحن مناصهم ثم بني الحين لإضافته إلى غير متمكن {وَّلاَتَ} بالكسر كجير، وتقف الكوفية عليها بالهاء كالأسماء والبصرية بالتاء كالأفعال. وقيل إن التاء مزيدة على حين لاتصالها به في الامام ولا يرد عليه أن خط المصحف خارج عن القياس إذ مثله لم يعهد فيه، والأصل اعتباره إلا فيما خصه الدليل ولقوله:
العَاطِفُونَ تَحِينَ لاَ مِنْ عَاطِف *** وَالُمْطعُمونَ زَمَانَ مَا مِنْ مُطْعمِ
والمناص المنجا من ناصه ينوصه إذا فاته.
{وَعَجِبُواْ أَن جَاءَهُم مٌّنذِرٌ مّنْهُمْ} بشر مثلهم أو أمي من عدادهم. {وَقَالَ الكافرون} وضع فيه الظاهر موضع الضمير غضباً عليهم وذماً لهم، وإشعاراً بأن كفرهم جسرهم على هذا القول. {هذا ساحر} فِيمَا يظهره معجزة. {كَذَّابٌ} فيما يقوله على الله تعالى.
{أَجَعَلَ الآلهة إلها واحدا} بأن جعل الألوهية التي كانت لهم لواحد. {إِنَّ هذا لَشَئ عُجَابٌ} بليغ في العجب فإنه خلاف ما أطبق عليه آباؤنا، وما نشاهده من أن الواحد لا يفي علمه وقدرته بالأشياء الكثيرة، وقرئ مشدداً وهو أبلغ ككرام وكرام. وروي أنه لما أسلم عمر رضي الله عنه شق ذلك على قريش، فأتوا أبا طالب وقالوا أنت شيخنا وكبيرنا، وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء وإنا جئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك، فاستحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هؤلاء قومك يسألونك السواء فلا تمل كل الميل عليهم، فقال عليه الصلاة والسلام: ماذا يسألونني، فقالوا: ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك، فقال: «أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أمعطي أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم»، فقالوا: نعم وعشراً، فقال: «قولوا لا إله إلا الله»، فقاموا وقالوا ذلك.


{وانطلق الملأ مِنْهُمْ} وانطلق أشراف قريش من مجلس أبي طالب بعدما بكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. {أَنِ امشوا} قائلين بعضهم لبعض {امشوا}. {اصبروا} واثبتوا. {على ءَالِهَتِكُمْ} على عبادتها فلا ينفعكم مكالمته، و{أَنِ} هي المفسرة لأن الانطلاق عن مجلس التقاول يشعر بالقول. وقيل المراد بالانطلاق الاندفاع في القول، و{امشوا} من مشت المرأة إذا كثرت أولادها ومنه الماشية أي اجتمعوا، وقرئ بغير {أَنٍ} وقرئ: {يمشون أن اصبروا}. {إِنَّ هذا لَشَئ يُرَادُ} إن هذا الأمر لشيء من ريب الزمان يراد بنا فلا مرد له، أو أن هذا الذي يدعيه من التوحيد أو يقصده من الرئاسة، والترفع على العرب والعجم لشيء يتمنى أو يريده كل أحد، أو أن دينكم لشيء يطلب ليؤخذ منكم.
{مَّا سَمِعْنَا بهذا} بالذي يقوله. {فِى الملة الأخرة} في الملة التي أدركنا عليها آباءنا، أو في ملة عيسى عليه الصلاة والسلام التي هي آخر الملل فإن النصارى يثلثون. ويجوز أن يكون حالاً من هذا أي ما سمعنا من أهل الكتاب ولا الكهان بالتوحيد كائناً في الملة المترقبة. {إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق} كذب اختلقه.
{ءَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا} إنكار لاختصاصه بالوحي وهو مثلهم أو أدون منهم في الشرف والرئاسة كقولهم: {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} وأمثال ذلك دليل على أن مبدأ تكذيبهم لم يكن إلا الحسد وقصور النظر على الحطام الدنيوي. {بْل هُمْ فَي شَكّ مّن ذِكْرِي} من القرآن أو الوحي لميلهم إلى التقليد وإعراضهم عن الدليل، وليس في عقيدتهم ما يبتون به من قولهم {هذا ساحر كَذَّابٌ} {إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق}. {بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} بل لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوه زال شكهم، والمعنى أنهم لا يصدقون به حتى يمسهم العذاب فيلجئهم إلى تصديقه.
{أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبّكَ العزيز الوهاب} بل أعندهم خزائن رحمته وفي تصرفهم حتى يصيبوا بها من شاؤوا ويصرفوها عمن شاؤوا فيتخير للنبوة بعض صناديدهم، والمعنى أن النبوة عطية من الله يتفضل بها على من يشاء من عباده لا مانع له فإنه العزيز أي الغالب الذي لا يغلب، الوهاب الذي له أن يهب كل ما يشاء لمن يشاء، ثم رشح ذلك فقال: {أَمْ لَهُم مُّلْكُ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} كأنه لما أنكر عليهم التصرف في نبوته بأن ليس عندهم خزائن رحمته التي لا نهاية لها، أردف ذلك بأنه ليس لهم مدخل في أمر هذا العالم الجسماني الذي هو جزء يسير من خزائنه فمن أين لهم أن يتصرفوا فيها.
{فَلْيَرْتَقُواْ فِى الأسباب} جواب شرط محذوف أي إن كان لهم ذلك فليصعدوا في المعارج التي يتوصل بها إلى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم، فينزلوا الوحي إلى من يستصوبون. وهو غاية التهكم بهم، والسبب في الأصل هو الوصلة، وقيل المراد بالأسباب السموات لأنها أسباب الحوادث السفلية.
{جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الأحزاب} أي هم جند ما من الكفار المتحزبين على الرسل {مَهْزُومٌ} مكسور عما قريب فمن أين لهم التدابير الإِلهية والتصرف في الأمور الربانية، أو فلا تكترث بما يقولون و{مَا} مزيدة للتقليل كقولك أكلت شيئاً ما، وقيل للتعظيم على الهزء وهو لا يلائم ما بعده، وهنالك إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل هذا القول.


{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأوتاد} ذو الملك الثابت بالأوتاد كقوله:
وَلَقَدْ غَنوا فِيْهَا بِأَنْعَمِ عِيْشَةٍ *** فِي ظِلِّ ملكٍ ثَابِتِ الأَوْتَادِ
مأخوذ من ثبات البيت المطنب بأوتاده، أو ذو الجموع الكثيرة سموا بذلك لأن بعضهم يشد بعضاً كالوتد يشد البناء. وقيل نصب أربع سوار وكان يمد يدي المعذب ورجليه إليها ويضرب عليها أوتاداً ويتركه حتى يموت.
{وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وأصحاب لْئَيْكَةِ} وأصحاب الغيضة وهم قوم شعيب، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر {ليكة}. {أُوْلَئِكَ الأحزاب} يعني المتحزبين على الرسل الذين جعل الجند المهزوم منهم.
{إِن كُلٌّ كَذَّبَ الرسل} بيان لما أسند إليهم من التكذيب على الإِبهام مشتمل على أنواع من التأكيد ليكون تسجيلاً على استحقاقهم للعذاب، ولذلك رتب عليه: {فَحَقَّ عِقَابِ} وهو إما مقابلة الجمع بالجمع أو جعل تكذيب الواحد منهم تكذيب جميعهم.
{وَمَا يَنظُرُ هَؤُلآءِ} وما ينتظر قومك أو الأحزاب فإنهم كالحضور لاستحضارهم بالذكر، أو حضورهم في علم الله تعالى: {إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} هي النفخة الأولى. {مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ} من توقف مقدار فواق وهو ما بين الحلبتين، أو رجوع وترداد فإنه فيه يرجع اللبن إلى الضرع، وقرأ حمزة والكسائي بالضم وهما لغتان.
{وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّلْ لَّنَا قِطَّنَا} قسطنا من العذاب الذي توعدنا به، أو الجنة التي تعدها للمؤمنين وهو من قطه إذا قطعه، وقيل لصحيفة الجائزة قط لأنها قطعة من القرطاس وقد فسر بها أي: عجل لنا صحيفة أعمالنا للنظر فيها. {قَبْلَ يَوْمِ الحساب} استعجلوا ذلك استهزاء.
{اصبر على مَا يَقُولُونَ واذكر عَبْدَنَا دَاوُودَ} واذكر لهم قصته تعظيماً للمعصية في أعينهم، فإنه مع علو شأنه واختصاصه بعظائم النعم والمكرمات لما أتى صغيرة نزل عن منزلته ووبخه الملائكة بالتمثيل والتعريض حتى تفطن فاستغفر ربه وأناب فما الظن بالكفرة وأهل الطغيان، أو تذكر قصته وصن نفسه أن تزل فيلقاك ما لقيه من المعاتبة على إهمال عنان نفسه أدنى إهمال. {ذَا الأيد} ذا القوة يقال فلان أيد وذو أيد وآد وأياد بمعنى. {إِنَّهُ أَوَّابٌ} رجاع إلى مرضاة الله تعالى، وهو تعليل ل {الأيد} ودليل على أن المراد به القوة في الدين، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ويقوم نصف الليل.
{إِنَّا سَخَّرْنَا الجبال مَعَهُ يُسَبّحْنَ} قد مر تفسيره، و{يُسَبّحْنَ} حال وضع موضع مسبحان لاستحضار الحال الماضية والدلالة على تجدد التسبيح حالاً بعد حال. {بالعشى والإشراق} ووقت الإِشراق وهو حين تشرق الشمس أي تضيء ويصفو شعاعها وهو وقت الضحى، وأما شروقها فطلوعها يقال شرقت الشمس ولما تشرق. وعن أم هانئ رضي الله تعالى عنها: أنه عليه الصلاة والسلام صلى صلاة الضحى وقال: «هذه صلاة الإِشراق» وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية.
{والطير مَحْشُورَةً} إليه من كل جانب، وإنما لم يراع المطابقة بين الحالين لأن الحشرجملة أدل على القدرة منه مدرجاً، وقرئ: {والطير مَحْشُورَةً} بالمبتدأ والخبر. {كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ} كل واحد من الجبال والطير لأجل تسبيحه رجاع إلى التسبيح، والفرق بينه وبين ما قبله أنه يدل على الموافقة في التسبيح وهذا على المداومة عليها، أو كل منهما ومن داوود عليه الصلاة والسلام مرجع لله التسبيح.
{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} وقويناه بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود، وقرئ بالتشديد للمبالغة. قيل: إن رجلاً ادعى بقرة على آخر وعجز عن البيان، فأوحى إليه أن اقتل المدعى عليه فأعلمه فقال: صدقت إني قتلت أباه وأخذت البقرة فعظمت بذلك هيبته. {وَءَاتيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} النبوة أو كمال العلم واتقان العمل. {وَفَصْلَ الخطاب} وفصل الخصام بتمييز الحق عن الباطل، أو الكلام المخلص الذي ينبه المخاطب على المقصود من غير التباس يراعى فيه مظان الفصل والوصل والعطف والاستئناف، والإِضمار والحذف والتكرار ونحوها، وإنما سمي به أما بعد لأنه يفصل المقصود عما سبق مقدمة له من الحمد والصلاة، وقيل هو الخطاب القصد الذي ليس فيه اختصار محل ولا إشباع ممل كما جاء في وصف كلام الرسول عليه الصلاة والسلام: «فصل لا نزر ولا هذر».

1 | 2 | 3